الصفحات

السبت، 14 ديسمبر 2013

الحضارة الأرثوذكسية



التأثير الحضاري للمسيحية
Madonna and Christ Child.St Peterأوغسطينوس.
Saints Francis and Clare of Assisi.توما الأكويني.christmas.
كنيسة سيستينا.Beethoven.
إغناطيوس دي لويولا.St luter.St Jeanne Jugan.
St Mary MacKillop.جورج لومتر.Sister Helen Prejean
أوربانوس الثاني.يوحنا بولس الثاني.
لوحة المادوناالقديس بطرسنافورة تريفي
فرنسيس الأسيزّي وكلارا الأسيزيّة • توما الأكوينيشجرة عيد الميلاد
يد اللهبيتهوفن
إغناطيوس دي لويولامارتن لوثر • تريزيا الطفل يسوع
جامعة بوسطنجورج لومتر • هيلين بيجان
أسرة نيقولا الثاني • البابا يوحنا بولس الثاني


مجموعة صور لعدد من مشاهير المسيحيين من مختلف المجالات.
العالم المسيحي (باللون الأحمر).
التأثير الحضاري للمسيحية ضخم وشديد التشعب، إضافة إلى أنه يشمل جميع مجالات الحضارة؛ فقد لعبت الديانة المسيحية دورًا رئيسيًا في تشكيل أسس وسمات الثقافة والحضارة الغربية كما وأثرت المسيحية، بشكل كبير على المجتمع ككل بما في ذلك الفنون واللغة والحياة السياسية والقانون وحياة الأسرة والموسيقى. تلونت طريقة التفكير الغربية تحت تأثير المسيحية ما يقرب من ألفي سنة من تاريخ العالم الغربي،كما كانت مصدرا رئيسيًا للتعليم فقد تم تأسيس العديد من الجامعات في العالم من قبل الكنيسة، والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية وكذلك كان للمسيحية دور رائد في رعاية وتطوير العلوم ولها تأثير واضح في العمارة فقد أنتجت كاتدرائيات لا يزال بعضها قائمًا بين مآثر وروائع الهندسة المعمارية الأكثر شهرًة في الحضارة الغربية. كان دور المسيحية في الحضارة متشابكًا بشكل معقد في تاريخ وتشكيل أسس المجتمع الغربي، وكان جزء كبير من تاريخ الكنيسة مرتبطًا بالغرب.
نشأت المسيحية عام 27 من جذور مشتركة مع اليهودية وتعرضت للاضطهاد من قبل الإمبراطورية الرومانية، لكنها أصبحت في عام 380 الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية، فشاركت بشكل معقد في السياسة الأوروبية ولا يزال تأثيرها السياسي راسخ حتى اليوم في العالم الغربي، وكانت تعاليم يسوع والوصايا العشرة مصدر الهام للقوانين الغربية وذات تأثير أخلاقي على الفكر الغربي،وشكلّت تعاليم يسوع والكتاب المقدس حجر أساس الحضارة الغربية، وتركت بصمة واضحة على الفلسفة الغربية. بعض من أمثال يسوع، مِثل مَثل السامري الصالح، تعد اليوم مصدرًا مهمًا لمفاهيم حقوق الإنسان. وكان أيضًا لتعاليم المسيحية ولاهوتها أثر على الزواج والحياة الجنسية، كذلك كان للمرأة نصيب من المسيحية حيث رفعت الكنيسة من قيمتها وزادت من تأثيرها على المجتمع، وكان لها دور بارز في تاريخ المسيحية، رفضت الكنيسة وأد الأطفال وحاربت ظاهرة العبودية ورفضت الطلاق، وسفاح المحارم، والمثلية الجنسية وتعدد الزوجات، وتنظيم النسل والإجهاض والخيانة الزوجية.
ولا يتوقف تأثير المسيحية على الحضارة الغربية فقد لعب المسيحيون أيضًا دورًا بارزًا ورياديًا في تطوير معالم الحضارة الإسلامية والشرقية.] ففي عهد الدولة العباسية نشط المسيحيون في الترجمة من اليونانية إلى السريانية ومن ثم للعربية، حيث كان معظم المترجمين في بيت الحكمة من المسيحيين، ونشطوا أيضًا بالطب والعلوم والرياضيات والفيزياء فاعتمد عليهم الخلفاء، كما وقاد المسيحيون النهضة العربية بصحفهم وجمعياتهم الأدبية والسياسية وحتى اليوم لهم دور فعّال في العالم العربي والاسلامي في مختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وكذلك الأمر في الشرق الاقصى والهند للمسيحية إرث عريق ولا يزال في كافة المجالات خاصًة في التعليم والرعاية الصحية.
المسيحية تعتبر أكبر ديانة في العالم إذ يبلغ عدد أتباعها 2.2 مليار نسمة، وتأثيرها على العالم واضح من خلال إنتشار ثقافتها الدينية؛ في أعيادها مثل عيد الفصح وعيد الميلاد كونها أيام عطل رسمية للأمم الغربية ولعدد كبير من الدول الغير مسيحية، وكون تقويمها؛ التقويم الميلادي هو التقويم الأكثر انتشارًا في العالم وهو التقويم الدولي في العصر الحديث، وفي أنو دوميني أي تقسيم تواريخ البشرية إلى قبل وبعد ميلاد يسوع مؤسس المسيحية؛ وفي دور المسيحيون الهام في تطوير الحضارة؛ إذ ذكرت 75 شخصية مسيحية من مختلف المجالات في كتاب الخالدون المئة في قائمة المائة شخصية الأكثر تأثيرًا في تاريخ البشرية. وبات للمسيحية بصمة واضحة في الحضارة العالمية وتاريخ البشرية على مختلف الأصعدة

مقدمة

   
يمكن القول إن يسوع هو الشخص الأكثر نفوذًا وتأثيرًا على وجه التاريخ. فهو موجد الديانة المسيحية، أكبر حضارة هذا العصر. المسيحية غيّرت العالم، وغيرت طريقة تفكير وعيش الناس. تاريخ العالم كان سيكون مختلف اختلافًا جذريًا ان لم يكن قد ولد يسوع. حياة يسوع الارضية كانت قصيرة، الا انه ترك ورائه تعاليم كان لها الأثر الأكبر في تغيير مسار البشرية

القيم الإنسانية

الأخلاق وحقوق الإنسان

الموعظة على الجبل بريشة كارل بلوش، تعتبر تعاليم الموعظة على الجبل ركيزة الاخلاق المسيحية.
فرسان المسيح، كان للفرسان المسيحيون أثر في الدفاع عن الضعفاء والمحتاجين خلال القرون الوسطى.
ترتكز الأخلاق المسيحية على تعاليم يسوع خاصةً عظة الجبل، وشكلت تعاليم الكتاب المقدس وآباء الكنيسة والمجامع المسكونية، المرجع الأخلاقي الرئيسي للمسيحية. وفي القرون الوسطى تبنّى القديس توما الإكويني الفضائل الأربعة الرئيسية لأفلاطون وهي العدالة والشجاعة والاعتدال والحكمة وأضاف إليها الفضائل المسيحية مثل الأمل والإيمان والإحسان، والتي ذكرها القديس بولس وشملت أيضًا السبع خطايا المميتة والفضائل السبع وهي العفة، والاعتدال، والإحسان والاجتهاد والصبر واللطف والتواضع، لتصبح ركائز الأخلاق المسيحية.
دعا يسوع المسيح إلى مساعدة الآخرين والكنيسة تطلق على هذه المساعدات اسم أعمال الرحمة، وتأخذ هذه الأعمال أهمية خصوصًا لدى الكنيسة الكاثوليكية، والأرثوذكسية والميثودية وينظر إلى هذه الأعمال كوسيلة لنيل النعمة والقداسة. تقليديًا تم تقسيم أعمال الرحمة إلى فئتين، في كل منها سبعة عناصر: أعمال الرحمة البدنية والتي تهتم بالاحتياجات المادية للآخرين، وأعمال الرحمة الروحية التي تهتم بالاحتياجات الروحية للآخرين.
واتباعًا لتعاليم يسوع في خدمة الآخرين أنشأت الكنيسة المستشفيات والمدارس والجامعات والجمعيات الخيرية ودور الأيتام والملاجئ لمن هو بلا مأوى. وخلال القرون الوسطى ظهرت فرق دينية كاثوليكية من الفرسان وكانت وظيفتهم حماية العزّل والضعفاء والعجزة، والكفاح من أجل المصلحة العامة للجميع. كانت هذه بعض الإرشادات والواجبات الرئيسية لفرسان القرون الوسطى؛ التي بنيت على مبدأ رئيسي في توجيه حياة الفرسان وهو الرجولة والشهامة، وقد رُمز الشهامة بتناول ثلاثة مجالات رئيسية هي: الجيش، والحياة الاجتماعية، والدين.
وقد تأثر مبدأ الشهامة من الأخلاق المسيحية، وساعدت الحملات الصليبية في وقت مبكر لتوضيح رمز الشهامة وارتباطه الاخلاقي بالدين. نتيجة لذلك، بدأت فرق الفرسان المسيحية تكريس جهودها لخدمة أغراض مقدسة. ومع مرور الوقت، طالب رجال الدين الفرسان استخدام أسلحتهم في المقام الأول من أجل حماية النساء والضعفاء والعزل بشكل خاص، واليتامى، والكنائس.
في العهد الجديد ركزّت تعاليم يسوع على المحبة والتسامح وعدم اللجوء إلى العنف، وفي العصور المسيحية المبكرة اعتبرت المسيحية بحسب المؤرخين ديانة مسالمة، لكن طرأت تغييرات بعدما أعلنت المسيحية كديانة رسمية للامبراطورية الرومانية إذ تم تسيس المسيحية.
خلال القرون الاولى للمسيحية، رفض العديد من المسيحيين الانخراط في المعارك العسكرية. في الواقع، كان هناك عدد من الأمثلة الشهيرة من الجنود الذين أصبحوا مسيحيين، ورفضوا الانخراط في القتال بعد اعتناقهم الدين، وأعدم لاحقًا الكثير منهم لرفضهم القتال. ويرجع سبب التزام السلمية ورفض الخدمة العسكرية حسب المؤرخ مارك المان إلى مبدأين: «أولًا كان ينظر إلى استخدام القوة والعنف كتناقض مع تعاليم يسوع. وثانيًا كان ينظر إلى الخدمة في الجيش الروماني كنوع من العبادة المطلوبة لتأليه الإمبراطور الذي هو شكل من أشكال الوثنية بالنسبة للمسيحيين».
تاريخيًا تمتلك المسيحية تقليدًا طويلاً مع معارضة العنف، لعلّ كتابات آباء الكنيسة أبرز تجلياته، فكتب أوريجانوس: «لا يمكن أبدا أن يذبح المسيحيين أعدائهم، حتى لو كان أكثر الملوك والحكام والشعوب اضطهادًا لهم، وكان ذلك سببًا لزيادة في عدد وقوة المسيحيين».وكتب إكليمندس الإسكندري: «قبل كل شيء، لا يسمح للمسيحيين في استعمال العنف».كما جادل ترتليان بقوة ضد كل أشكال العنف، معتبرًا الإجهاض والحرب والعقوبات القضائية حتى الموت شكل من أشكال القتل. وتعتبر هذه المواقف لثلاثة من آباء الكنيسة والتي تتمسك بها اليوم كل من الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية. وقد نشأت في الوقت الحاضر عدة كنائس مسيحية دعيت باسم كنائس اللاعنف، وتدعو إلى الاعتراض الضميري على الخدمة العسكرية، جزء أساسي من الإيمان.
في القرن العشرين تبنّى مارتن لوثر كنغ أفكار غاندي اللاعنفية وكيفها في لاهوت الكنيسة المعمدانية وسياستها، كما برزت العديد من الجمعيات والحركات المسيحيّة النسويّة في مجال مناهضة العنف ضد المرأة.

المرأة

الإمبراطورة هيلانة: غيّر اعتنقها هي وابنها للمسيحية تاريخ العالم.
جان دارك قديسة وبطلة قومية فرنسية، كانت موضوع مؤلفات أدبية كثيره في أوروبا.
أثرت الكنيسة على النظرة الاجتماعية للمرأة في جميع أنحاء العالم بطرق هامة، حسب بعض المؤرخين أمثال جيوفيري بلايني. أما في تاريخ المسيحية، فبدوره لعبت النساء أدوارًا متعددة إن كان في السلك الرهباني أو العلماني، كاللاهوتيات، والراهبات، والملكات، والصوفيات والشهداء، والممرضات، والمعلمات وحتى مؤسسات مذاهب. علمًا أنه وكما يتضح من إنجيل لوقا، فإن ليسوع نفسه أتباعًا من النساء.
في اللاهوت المسيحي يتساوى الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، استنادًا إلى تعاليم يسوع في المساواة بين الجنسين، ولعل من أبرز مظاهر تكريم ورفع شأن المرأة هو التكريم الخاص لمريم العذراء، لدى أغلب كنائس وطوائف العالم المسيحي، واللاهوت المريمي أحد فروع علم اللاهوت العقائدي الذي يدرس دور مريم في العقيدة المسيحية، ويعرف أيضًا باسم الماريولوجي.
اعتبرت الكنيسة علاقتها مع مريم العذراء علاقة بنوّة، وهو ما أثر على عدد وافر من الفنانيين في صورة مريم العذراء والتي أطلق عليها لقب السيّدة أو مادونا. وكانت موضوعًا محوريًا للفن والموسيقى الغربية والأمومة والأسرة، فضلاً عن ترسيخ مفاهيم التراحم والأمومة في قلب الحضارة الغربية، كما يعتقد عدد وافر من الباحثين منهم آليستر ماكراث؛ وعلى العكس من ذلك، فقد أثرت القصة التوراتية لدور حواء على النظرة للمرأة في المفهوم الغربي بوصفها "الفاتنة".
غير أن الأمر لا يخلو من الانتقادات، إذ إن الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية ترفض منح سر الكهنوت للمرأة، ما وجده البعض انتقاصًا من حقوق المرأة ومساواتها؛ عمومًا ذلك لا يمنع التأثير الكبير لها في المؤسسات المسيحية وخاصة في الرهبنات وما يتبع لها من مؤسسات، كما كانت هناك العديد من القديسيات في هذه الكنائس.
لعلّ القديسة هيلانة والدة الامبراطور قسطنطين والقديسة مونيكا والدة القديس أوغسطينوس، من أكثر النساء تأثيرًا في التاريخ الكنسي، أما في العصور الوسطى تزايدت الأعلام النسويّة البارزة وأدوارها القيادية في الأديرة مثل القديسة كلارا الأسيزي، وحتى سياسيات وعسكريات أمثال القديسة جان دارك "شفيعة فرنسا"، وإليزابيث الأولى ملكة إنكلترا التي ركّزت المذهب البروتستانتي في البلاد والامبراطورة البيزنطية تيودورا والتي بدورها دعمت الأرثوذكسية اللاخليقدونية في الإمبراطورية البيزنطية، أما من مؤسسات المذاهب سطعت إيلين وايت مؤسسة الأدفنتست وماري بيكر إيدي مؤسسة العلم المسيحي. في القرن العشرين، أطلقت الكنيسة الكاثوليكية لقب معلم الكنيسة الجامعة على ثلاثة نساء هنّ القديسة الإسبانية تريزا الإفيلية، والقديسة كاترين السينائيّة والراهبة الفرنسية القديسة تيريز الطفل يسوع. يُذكر أيضًا الأم تريزا التي نافحت عن العدالة الاجتماعية ورعت مساعدة الفقرات وحازت على جائزة نوبل للسلام.
تعارض المسيحية عددًا من العادات الاجتماعية التي هي في نظرها مذمومة ومنها وأد البنات، والطلاق، وسفاح المحارم، وتعدد الزوجات والخيانات الزوجية وتقوم بمساواة الخطيئة بين الرجل والمرأة. وتتجلى مظاهر المساواة حسب الكنيسة في القوانين الكنيسة وتشريعاتها مع وجود الاختلافات بين الأحوال الشخصية لمختلف الكنائس، إلا أنها تشترك في عدد من التشريعات مثل قضية الارث حيث يتساوى الرجل والمرأة في حصته من الإرث، وكذلك في حالتي الطلاق بما فيه فسخ الزواج أو الهجر، حيث يشترك الأب والأم في النفقات وتقاسم الثروات المدخرة بشكل متساوي إلا في بعض الحالات الخاصة، كما تعطى الحضانة للمرأة، في سنين الطفولة الأولى.

الأطفال

في العالم القديم، على سبيل المثال في الإمبراطورية الرومانية أو في اليونان القديمة، لم يكن الوأد يعتبر بجريمة وكان يمارس على نطاق واسع تعددت أسباب اللجوء إلى الوأد منها كتضحية للآلهة أو إذا كان الطفل غير شرعي، أو بحالة صحيّة سيئة، أو ذو عاهة، أو حتى من أنثى، أو إذا شكل عبئًا على الأسرة بشكل عام.
عند ظهور المسيحية رفضت وأد بشكل قاطع، وذلك استنادًا إلى تعاليم الرسل والديداخي: "لا تقتل من ولدت" لاحقًا شجب آباء الكنيسة هذه الممارسات وكتب عدد منهم مؤلفات مثل ترتليان وأثيناغوراس وغيرهما لشجب هذه المماراسات واعتبروا أن قتل طفل هو "خطيئة شريرة".[وفي عام 318 صدر قانون في القسطنطنينة يجرم الوأد.
وبعد القضاء على ممارسة الوأد، شهدت القرون الوسطى ولادة أول دور للأيتام كتطوير لما كان يتم خلال تلك المرحلة من ترك الأطفال غير المرغوب فيهم عند باب الكنيسة أو الدير، وكان يكلف رجال الدين لرعايتم وتربيتهم.
كذلك كانت ممارسة وأد الأطفال منشرة في أفريقيا وأستراليا،والإمريكيتين،وعند مجيء المبشرين المسيحيين شجبوا هذه الممارسات وعملوا على منع قتل الاطفال، وكانوا العامل الأساسي وراء القضاء على هذه الممارسات بين الشعوب التي دخلت المسيحية.[
فيما يخصّ الإجهاض، فمنذ نشوؤها اتخذت المسيحية موقفًا معارضًا للإجهاض، مع أنه لا يوجد أي ذكر له في الكتاب المقدس، إلا أن العقائد أدرجته ضمن فعل القتل المنهي عنه في الوصايا العشر. ويشمل تجريم الإجهاض بدءًا من اللحظة الأولى للتخصيب] أي أنه وبمفهوم الكنيسة العَقدي فإن الجنين يتمتع بكامل حقوق الحياة. لا يزال هذا الموقف، موقف غالبية الطوائف المسيحية وتشجع على الإنجاب، تاركة أيّاه لتقدير الزوجين، وتراه "هبة إلهية".[63]
حتى القرن التاسع عشر كانت غالبية الدول ذات الأكثرية المسيحية لا تسمح بإجراء عمليات إجهاض، غير أنه ومع تكاثر انتشار الظاهرة تزامنًا مع فصل الدين عن الدولة، أخذت القوانين المؤيدة له تنتشر في العالم الغربي، إلا أن ذلك لم يطو الجدل حول هذه القضية

العبيد

القديس بيتر كلافير عمل من اجل تحرير العبيد.
قبلت الكنيسة مبدئيًا العبودية كجزء من النسيج الاجتماعي للمجتمع الروماني، وحضّت على المعاملة الإنسانية للعبيد وطالبت العبيد على التصرف بشكل مناسب تجاه أسيادهم] خلال القرون الوسطى، تغير هذا الموقف فعارضت الكنيسة استعباد المسيحيين؛ ومع نهاية العصر الوسيط، كانت ظاهرة الرق في أوروبا قد اندثرت، ثم بداية عصر الاستكشاف ازدهرت تجارة العبيد في المستعمرات الأوروبية وترافق ذلك مع إساءة المعاملة. أصدر العديد من الباباوات أبرزهم بولس الثالث منشورات بابوية تدين إساءة معاملة الأمريكيين الأصليين المستعبدين، إلا أنها قد تجوهلت. في عام 1537 أصدر البابا بولس الثالث منشورًا ثوريًا يدعو فيه إلى احترام السكان الأصليين وحقوقهم معلنًا أنهم بشر، وفي عام 1839 ندد البابا غريغوري السادس عشر جميع اشكال الرق.
لقد عرف عن الجيش الأسباني بالقسوة في تعامله مع السكان الاصليين في اميركا اللاتينية، مما جعل المبشرين الكاثوليك يعملون لمكافحة قوانين استعباد الهنود الحمر. ولعب عدد من الرهبان أدوارًا مهمة في الدفاع عن حقوق العبيد والسكان الأصليين وأدت جهودهم في الدفاع عن حقوق العبيد إلى نقاش حول طبيعة حقوق الإنسان في الفكر الغربي، وولادة القانون الدولي المعاصر.فمثلا بارتولومي دي لاس كاساس كانت له مساعي حثيثة لرفع الظلم الذي وقع على السكان الأصليين بعد الغزو الإسباني، وكذلك تصدى الراهب فرانشيسكو دي فيريتا لقوانين العبودية وللانتهاكات التي ارتكبتها السلطات الأسبانية ضد الهنود الحمر.
مارتن لوثر كنج، قس وناشط سياسي إنساني، من المطالبين بإنهاء التمييز العنصري.
بحلول نهاية القرن التاسع عشر كانت القوى الأوروبية قد تمكنت من السيطرة على معظم المناطق الداخلية الأفريقية، وقد لحقهم بعد ذلك المبشرين المسيحيين فقاموا ببناء المدارس والمستشفيات والكنائس والأديرة وكان للمؤسسات المسيحية دور في تثقيف ونحسين المستوى التعليمي والطبي للأفارقة
يجادل رودني ستارك العالم في علم اجتماع الدين في كتابه "لمجد الله"، أن المسيحية بشكل عام والبروتستانتية بشكل خاص، ساعدت على إنهاء الرق في جميع أنحاء العالم ويشاركه في ذلك أيضًا لامين سانه المؤرخ في جامعة ييل،[ إذ يشير هؤلاء الكتّاب إلى أن المسيحيين كانوا ينظرون إلى الرق بأنه خطئية ضد الإنسانية وفق معتقداتهم الدينية​​.[ وفي أواخر القرن السابع عشر بدأت الطوائف البروتستانتية مثل القائلون بتجديد عماد في انتقاد الرق. العديد من الانتقادات المماثلة وجهت أيضًا من قبل جمعية الأصدقاء الدينية، المينونايت، والاميش ضد الاسترقاق، لعلّ كتاب هيريت ستاو "كوخ العم توم"، والذي كتبته "وفقًا لمعتقداتها المسيحية" في عام 1852، أحدث صدىً عميقًا في انتقاد الرق. وكانت جمعية الأصدقاء الدينية من أولى المؤسسات الدينية المناهضة للعبودية، كما لعب أيضًا جون ويسلي، مؤسس الميثودية، دورًا في بدء حركة التحرير من العبودية ​​كحركة شعبية.
بالإضافة إلى المساعدة​ في التحرير من العبودية من قبل الطوائف البروتستانتية والكاثوليكية، فقد بذل عدد من المسيحيين مزيد من الجهود نحو تحقيق المساواة العرقية، والمساهمة في حركة الحقوق المدنية فمنظمة الأميركيين الأفارقة تذكر الدور الهام للحركات الاحيائية المسيحية في الكنائس السوداء التي لعبت دور هام وأساسي في حركة الحقوق المدنية. ولعل أبرز المسيحيين ممن لعبوا دور في حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ، وهو قس للكنيسة المعمدانية، وزعيم حركة الحقوق المدنية الإميركية ورئيس مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية، وهي منظمة مسيحية تنادي بالحقوق المدنية.


.

القرون الوسطى

هنري الرابع والبابا غريغوري السابع في كانوسا 1077، بريشة ايمانويل كارلو.
بحلول القرن الحادي عشر من خلال جهود غريغوري السابع، نجحت الكنيسة بتأسيس واعلان نفسها بأنها «كيان مستقل من الناحية القانونية والسياسية داخل المسيحية الغربية».[مما أتاح للكنيسة قوة سياسية وتأثير كبير على المجتمع الغربي؛ وكانت قوانين الكنيسة وتشريعاتها القانون النافذ ويمتد تأثيرها إلى السلطات القضائية وحياة والشعوب في جميع أنحاء أوروبا، مما أتاح لها سلطة بارزة. ومن خلال نظام المحاكم الخاص بها، احتفظت الكنيسة الولاية على جوانب كثيرة من الحياة العادية، بما في ذلك الميراث، والتعليم، والوعود شفوية، وخطاب القسم، والجرائم الأخلاقية، والزواج.وباعتبارها واحدة من أقوى المؤسسات في العصور الوسطى، فقد انعكست المواقف الكنيسة على القوانين العلمانية الحديثة.
كانت الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى أقوى مؤسسة في أوروبا وأكثر عالميّة وديموقراطيّة، خصوصًا في المنظمات الرهبانية التي تتبع قوانين القديس بندكت. وغدت الأديرة الملجأ الثقافي والعلمي في أوروبا، وإليها لجأت مختلف النُخب لتبرز في الآداب والعلوم وغيرها من الثياب الرهبانيّة أو الأسقفيّة، ولعلّ نشاط دير كلوني أحد أبرز علائم تلك المرحلة.
البابا غريغوري الكبير والذي جعل من البابوية مؤسسة سياسة بارزة.
في كثير من الأحيان خلال العصور الوسطى تم استبعاد النساء من الحياة السياسية والتجارية، ومع ذلك كانت الحياة الرهبانية استثناء لذلك الاستبعاد. فرؤساء الأديرة والمنازل الرهبانية من الإناث كان لهنّ تأثير يكاد يساوي تأثير رؤساء الأديرة من الذكور. «لقد عوملن مثل الملوك والأساقفة، وأعظم البارونات وعلى قدم من المساواة الكاملة، وكنّ حاضرات في جميع الاحتفالات الدينية والوطنية المهمة، وعرفنّ في إخلاصهن للكنيسة، وعوملن مثل الملكات، وشاركن في المجالس والمداولات الوطنية».ومع ازدياد شعبية الاخلاص لمريم العذراء، أم يسوع، كان له الفضل في جعل قيمة الأمومة قيمة مركزية في المجتمعات الأوروبية. وقد كتب كتب كينيث كلارك أن تكريم العذراء في أوائل القرن الثاني عشر: «قد علمت البرابرة ذوي الطباع الصارمة والقاسية فضائل الحنان والرحمة».
أصبح شارلمان إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة، غزا البلدان المنخفضة، وشمال ووسط إيطاليا وفي عام 800 توّج البابا ليون الثالث شارلمان إمبراطورًا للإمبراطورية الرومانية المقدسة.
خلال القرون الوسطى كانت القوى المؤثرة على الصعيد السياسي في المجتمع الغربي هي: النبلاء ورجال الدين والملوك، وقد نتج عن ذلك صراع في بعض الأحيان بينهم. وكانت سلطة الباباوت قوية بما يكفي لتحدي سلطة الملوك. ولعلّ نزاع التنصيب أهم صراع بين الكنيسة والدولة في أوروبا خلال القرون الوسطى. إذ تحدت مجموعة من الباباوات سلطة الملكيات في السيطرة على التعيينات لمسؤولين عن الكنائس مثل الأساقفة ورؤساء الأديرة. سيّما بلاط الامبراطور فريدريك الثاني، ومقره في جزيرة صقلية، إذ واجه توتر وخصومة ومنافسة مع البابوية من أجل السيطرة على شمال إيطاليا.] وكانت أحد أسباب فترة بابوية أفينيون خلال الأعوام 1305 حتى 1378 الصراع بين البابوية والتاج الفرنسي.
في عام 1054 وبعد قرون من العلاقات المتوترة، وقع الانشقاق العظيم وقسم العالم المسيحي بين الكنيسة الكاثوليكية وتركزت في روما وسادت في الغرب، والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، والتي تركزت في القسطنطينية، عاصمة الامبراطورية البيزنطية. وكان نظام الحكم في القسطنطينية مركز الأرثوذكسية الشرقية، نظام ثنائي في قيادة الكنيسة بين الاباطرة البيزنطيين وبين البطاركة، فوظيفة الإمبراطور البيزنطي حماية الكنيسة الشرقية وإدارة إدارتها بواسطة ترأس المجامع المسكونية وتعيين البطاركة وتحديد الحدود الإقليمية لولايتها. ولا يستطيع بطريرك القسطنطينية أن تولي منصبه إذا لم يحصل على موافقة الامبراطور. وقد عارض بشدة عدد من آباء الكنيسة الشرقيين مثل يوحنا ذهبي الفم بطريرك القسطنطينية وأثناسيوس بطريرك الاسكندرية، سيطرة الأباطرة البيزنطيين على الكنيسة الشرقية.
في عام 1095 دعا البابا أوربان الثاني إلى الحروب الصليبية من أجل استرداد الأرضي المقدسة من الحكم الإسلامي، بعدما منع السلاجقة المسيحيين من زيارة الأماكن المقدسة حسب العقائد المسيحية في فلسطين وهدم كنيسة القيامة. وعلى الرغم من النجاح الأولي من الحملة الصليبية الأولى، فقد انتهت الحملات في نهاية المطاف بالفشل بعد نحو قرنين من التواجد في المشرق.
أُنتج في هذه الفترة فن فيه مزيدًا من الإسراف وفنون العمارة، وظهر أيضًا من نادى بالبساطة الحميدة من مثل فرنسيس الأسيزي، والملحمة الشعرية الكوميديا ​​الإلهية لدانتي. ومع ازدياد نمو قوة وثراء الكنيسة، سعى الكثير من أجل إصلاح الكنيسة. مثل الدومينيكان والفرنسيسكان والتي شددت على الفقر والروحانية.

من عصر النهضة إلى اليوم

اقتحام سجن الباستيل، كان للثورة الفرنسية دور في القضاء على النفوذ الديني.
شهدت مرحلة عصر النهضة الاصلاح البروتستاني في ألمانيا على يد مارتن لوثر، إذ انتقد مارتن لوثر الفساد في الكنيسة الكاثوليكية وفي مقدمة ما انتقد قضية صكوك الغفران، وشراء بعض المناصب العليا في الكنيسة والمحسوبية إضافة إلى ظهور ما يشبه "عوائل مالكة" تحتفظ بالكرسي الرسولي مثل آل بورجيا. ظهرت فيما بعد عدد من المذاهب البروتستانتية والتي ارتبطت مع الدولة التي نشأت بها، مثل المذهب اللوثري في النرويج والدنمارك والكنيسة الأنجليكانية في إنكلترا حيث يكون الملك رأس الكنيسة، فهي تجعل من الملك رئيسًا لهذه الكنيسة بدلاً من البابا، وغالبًا ما تكون سلطة الملك فخرية في حين يتولى رئيس أساقفة معين من قبل الملك شؤون الإدارة الفعلية. ونجح جان كالفن مؤسس الكالفينية بتشكيل حكومة ثيوقراطية في جنيف عرفت بنظامها المتشدد، إذ اعتبر كالفن الكتاب المقدس بأنه المرجعية الأولى ذات الشرعية والسلطة والتي يجب أن تخضع لها السلطات الأرضية. كما أسس الراهب الدومينيكاني جيرولامو سافونارولا حكومة ثيقراطية في فلورنسا مميزًا أيّاها بأنها «جمهورية مسيحية ودينية» بعد صراع مع آل ميديشي وانتقال السلطة إليه.
عام 1453 استطاعت الدولة العثمانية فتح القسطنطينية وسقطت الإمبراطورية البيزنطية، وتحول ثقل الكنيسة الأرثوذكسية إلى روسيا؛ وروسيا كانت الكنيسة الأرثوذكسية مؤسسة قوية، فقد أعاد الأباطرة الروس من أسرة رومانوف الثنائية التقليدية في قيادة الكنيسة بينهم وبين البطاركة، وأصبحت روسيا قائدة العالم الأرثوذكسي.
وظهر في هذه الفترة مبدأ "الحق الإلهي" من قبل الملوك لتبرير الحكم المطلق، ومن هؤلاء لويس الرابع عشر الذي زعم أن سلطته الممنوحة له من الله لا حقّ لأحد من رعاياه حدها. كما حاول جيمس الأول وتشارلز الأول، ملوك إنجلترا، استيراد هذا المبدأ وعليه نمت المخاوف بأن تشارلز الأول بصدد تأسيس حكم استبدادي، وتمخضت تلك المخاوف باندلاع الحرب الأهلية الإنجليزية. كما وصل رجال دين مناصب هامة وخطيرة في الدول الأوروبية مثل الكاردينال ريشيليو الذي كان وزير الملك الفرنسي لويس الثالث عشر والكاردينال جول مازاران وكان رئيس الوزراء في عهد لويس الرابع عشر.
خلال القرن الثامن عشر نضجت الأفكار القومية والإلحادية في أوروبا، وتزامنت مع تجربتين لهما عميق التأثير في المسيحية: التجربة الأولى ممثلة بقيام الولايات المتحدة الإمريكية سنة 1789: كانت الولايات المتحدة مزيجًا من طوائف بروتستانتية عديدة لا تنظمها سلطة مركزية، لذلك فقد كان اعتماد إحدى هذه الطوائف دينًا للدولة أو لإحدى الولايات سيؤدي إلى مشاكل عديدة تؤثر على حالة الاتحاد الفدرالي لذلك كان لا بدّ من فصل الدين عن الدولة، وبالتالي كان الدين السبب الرئيس في خلق أول جمهورية علمانية، لقد وجد المسيحيون الأمريكيون، النظام الجديد بما يتيحه من حرية إنجاز الله تمامًا كما حصل مع موسى وداوود وفق الكتاب المقدس، فرغم علمانيتهم ظل الإمريكيون مخلصين لمسيحيتهم؛كذلك فحسب الموسوعة البريطانية فقد تأثر الآباء المؤسسون للولايات المتحدة عند كتابة دستور الولايات المتحدة من تعاليم الكتاب المقدس والقيم المسيحية؛ التجربة الثانية كانت الثورة الفرنسية سنة 1789 والتي قامت تحت شعار حقوق الإنسان وفصل الدين عن الدولة، لكن التجربة الفرنسية وعلى عكس التجربة الإمريكية كانت هجومية ومضادة للكنيسة فقد تم مصادرة أملاك الأوقاف بما فيها الكنائس والأديرة وإخضاعها لسلطة الدولة الفرنسية، كما واحتلّ نابليون الأول إيطاليا، وثبتت الاتفاقية الموقعة بينه وبين الكرسي الرسولي سنة 1801 وبكذلك فقد أصبح تعيين الأساقفة والكهنة وإدارة شؤونهم بيد السلطات الفرنسية وليس بيد الفاتيكان
وخلال فترة عصر القوميات تنامت فكرة القومية الإيطالية منذ عام 1814، ومع تفاقم عقيدة القومية الإيطالية أدت في النهاية إلى سيطرة المملكة الإيطالية على الدولة البابوية عام 1870 مع تخلي فرنسا عن مواقعها في روما مما سمح للمملكة الإيطالية بملء الفراغ وانتزاع الدولة البابوية من السيادة الفرنسية. رغم ذلك فإن الفاتيكان والمباني المحيطة به ظلت ذات حكم خاص في ظل هذا الوضع الذي دعي به البابوات بشكل مجازي "سجناء روما"؛ واستمرت العلاقة بشكل غير منظم قانونيًا حتى عام 1929 حين أبرمت اتفاقيات لاتران الثلاثة، التي أوجدت الفاتيكان بالشكل المتعارف عليه اليوم، ونظمت التعاون السياسي، الاقتصادي والأمني بين إيطاليا والفاتيكان.
كانت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية مؤسسة قوية في الامبراطورية الروسية، وأرتبطت بالأسرة الحاكمة، وشكّل النفوذ المتزايد للقس غريغوري راسبوتين أحد الأسباب التي سببت قيام الثورة الروسية عام 1917. أدى قيام الشيوعية سنة 1917 إلى تأثير سلبي على الكنيسة الأرثوذكسية وقادت الكنيسة الكاثوليكية، خلال حبرية يوحنا بولس الثاني معارضة عالمية ضد الشيوعية انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي.
إمارة موناكو، وهي من الدول التي لا تزال تتخذ المسيحية دين رسمي.
لا تزال المسيحية تلعب دور سياسي مؤثر في المجتمعات الغربية ففي الولايات المتحدة مثلًا استطاع اليمين الانجيلي منذ سبعينات القرن الماضي السيطرة على الحزب الجمهوري وكان مسؤولاً عن تحديد رئيس الجمهورية منذ جيمي كارتر عام 1976، حتى جورج بوش الابن سنة 2000. وفي أمريكا اللاتينية من خلال لاهوت التحرير، ناضلت الكنيسة الكاثوليكية من أجل العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر والديكتاتورية والدفاع عن المظلومين. أما في أوروبا فالاحزاب الديموقراطية المسيحية وهي أحزاب ذات خلفية كاثوليكية، تلعب دور فعال في السياسة الأوروبية وقد نشأت أولًا في بلجيكا وسرعان ما انتشرت في كافة أرجاء أوروبا، ولعل أبرز الاحزاب المسيحية هو الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا الذي يشترك في الائتلاف الحاكم مع الحزب الديمقراطي الحر منذ عام 2009. ومن جماعات الضغط السياسي المسيحية في الاتحاد الأوروبي أوبوس داي وسانت إيجيديو. كذلك فقد كان للكنيسة الكاثوليكية نفوذ سياسي واجتماعي وثقافي قوي في كيبك في كندا حتى عام 1960 مع بداية الثورة الهادئة. أما في قبرص فقد ترأس المطران مكاريوس الثالث رئيس وكبير أساقفة الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية كأول رئيس لقبرص المستقلة من عام 1955 وحتى وفاته عام 1977. وفي اليابان ترأس سبعة مسيحيين منصب رئيس وزراء اليابان مما يعكس تأثيرهم على المجتمع.
اليوم فإن غالِبيّة الدول التي يشكل فيها المسيحيون أغلبية، تَتَّبَنّى النظام العلماني حيث يتم دعم الفكرة من تعاليم الكتاب المقدس: «أعْطُوُا إِذَاً مَا لِقَيْصَرْ لِقَيْصَرْ وَمَا لِلَّهِ لِلَّهِ»، ومع ذلك فالديانة المسيحية هي دين الدولة في عدة بلدان حيث أنّ المسيحية هو المعتقد الديني الرسمي الذي تتخذه هذه الدول عادةً في دساتيرها بشكل رسميّ وهذه الدول: الأرجنتين وموناكو حيث المذهب السائد هو الكاثوليكية، وأرمينيا حيث المذهب السائد هو الأرثوذكسية المشرقية الأرمنية واليونان حيث المذهب السائد هو الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، والنرويج والدنمارك حيث المذهب السائد هو اللوثرية وعدد آخر من الدول.
هناك العديد من بلدان أخرى، مثل قبرص والدول الإسلامية، التي وإن كانت لا تملك كنيسة رسمية، لا تزال تعطي اعترافاً رسمياً إلى مذاهب مسيحية مُحَددّة.


دور المسيحيين في الحضارة الإسلامية

تشريح العين لحنين بن اسحق من كتابه المسائل في العين.
لعب المسيحيون دورا مهما في ظل الدولة الإسلامية حيث برزت مساهمة القبائل المسيحية ابان الفتوحات العربية، وفي تثبيت اركان الحكم، وبقيت مجتمعات مسيحية على دينها مثل أقباط مصر، وموارنة لبنان، وتغالبة الجزيرة، وكان مسيحيو الشام من القبائل التغلبية يشكلون سندًا للامويين في الجيش، وفي الاسطول اعتمدت الدولة الإسلامية على المسيحيين في إدارة الدولة ودواوينها فقد كان للمسيحيين العرب دور بارز في العصر الأموي، في وظائف هامة منهم من كان أطباء وزراء وشعراء فقد عين معاوية الطبيب ابن آثال عاملاً على ولاية حمص، كان منصور بن ياسر سرجيون وزيراً، وكان طبيبه الخاص كان عربياً مسيحياً كما وكان شاعر البلاط في عهده الأخطل. وفي إنشاء الدواوين، فاستفاد الأمويون والعباسيون منهم في تعريب الدواوين والإدارة وأبقوهم على رأس وظائفهم؛ وكذلك فعل الفاطميون في مصر، ولم يقتصر الأمر على موظفي الإدارة، بل تعداه إلى الوظائف الكبيرة في الدولة. كما وأسهم الأقباط بدورهم في التطور العلميفهم الذين قاموا بالدور الأساسي في بناء الأسطول العربي في بداية العصر الأموي
كان للمسيحيين خاصًة السريان والنساطرة دور مهم في الترجمة والعلوم،خاصة أيام الدولة العباسية، وأدت الترجمة مهمة رئيسة في ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، وقد أتقن العرب، والمسيحيون منهم خاصة، الترجمة واستوعبوا محتويات الكتب المترجمة، بعدما عربوها وأعادوا صياغتها وطوروا مضمونها وأجروا عمليات نقد عليها وأعادوا إنتاج الثقافات السابقة لهم ووضعوها بين يدي العالم في ما بعد. لقد ترجم المسيحيون من اليونانية والسريانية والفارسية، واستفادوا من المدارس التي ازدهرت فيها العلوم قبل قيام الدولة العربية خصوصاً مدارس مدن "الرها ونصيبين وجند يسابور وإنطاكية والإسكندرية" المسيحية والتي خرجت هناك فلاسفة وأطبّاء وعلماء ومشرّعون ومؤرّخون وفلكيّون وحوت مستشفى، مختبر، دار ترجمة، مكتبة ومرصد. واشتهر من المترجمين شمعون الراهب وجورجيوس أسقف حوران وجوارجيوس وجبريل بن بختيشوع الذين اشتهروا في الطب خصوصاً، وبقيت أسرتهم آل بختيشوع مسؤوله عن الطب في الدولة العباسية طوال ثلاثة قرون وخدمت كأطباء خاصين للخلفاء العباسيينوعيّن المأمون يوحنا بن ماسويه الذي ترجم وألف خمسين كتاباً رئيساً لبيت الحكمة وكان أبوه أيضًا طبيبا، وحنين بن إسحق كان أيضاً رئيساً لبيت الحكمة ومن بعده ابن اخته حبيش بن الأعسم وقد ترجم حنين بن إسحق 95 كتابًا ، وسعيد بن البطريق وله عدد من المصنفات وقسطا بن لوقا وقد أقام المأمون يوحنا بن البطريق الترجمان أميناً على ترجمة الكتب الفلسفيّة من اليونانيّة والسريانيّة إلى العربيّة، وتولّى كتب أرسطو وأبقراط ومنهم أيضًا إسحق الدمشقي ويحيى بن يونس والحجاج بن مطر وعيسى بن يحيى ويحيى بن عدي وعبد المسيح الكندي، وقد ترجموا وألفوا في الفلسفة والنواميس والتوحيد والطبيعيات والإلهيات والأخلاق والطب والرياضيات والنجوم والموسيقى وغيرها. عدد من الباحثين يشيرون بنوع خاص إلى تطور الفيزياء في اللغة السريانية. وكان لترجمتهم كتب الفلسفة إلى العربية أثر كبير في ظهور «فرق المعتزلة» التي تجعل من العقل الحكم الوحيد في تفسير أحكام الشريعة الإسلامية.
جبران خليل جبران، أحد أبرز أعلام المسيحيين في عصر النهضة العربية.
لعب المسيحيون العرب دورًا رائدًا في النهضة الثقافية العربية، فكانوا أول من أدخل المطبعة إلى البلدان العربية مطبعة دير قزحيا في لبنان ثم مطبعة حلب عام 1706، وساعدوا منذ منتصف القرن التاسع عشر على نشر التعليم وتأسيس المدارس العربية، فافتتحت الجامعات المسيحية بجهود المرسلين كانت أولها الجامعة الإمريكية في بيروت عام 1866 وجامعة القديس يوسف عام 1875 مما أدى إلى انتعاش الحركة الفكرية، وقد خرجت المداراس المسيحية عددًا وافرًا من أعلام العربية في تلك المرحلة، وقد أسهم المسيحيون في إحياء التراث والأدب العربي ومن أبرز أعلام الأدب كانوا جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ومي زيادة وأمين الريحاني وشفيق معلوف وإلياس فرحات ومن الشعراء والمؤرخين وبرز إيليا أبو ماضي، خليل مطران، الأخطل الصغير، نعمة الله الحاج، عيسى اسكندر، صليبا الدويهي ورشيد سليم الخوري. وبرز في الصحافة جرجي زيدان مؤسس مجلة تدعى الهلال عام 1892 ويعقوب الصروف مؤسس صحيفة المقطم وسليم العنجوي مؤسس «مرآة الشرق» واسكندر شلهوب مؤسس مجلة السلطنة وسليم تقلا وشقيقه بشارة تقلا مؤسسي جريدة الأهرام، كما ولعب كل من ناصيف اليازجي وابنه إبراهيم اليازجي وبطرس البستاني وأول من ابتدأ بمشروع دائرة معارف باللغة العربية، إعادة استخدام اللغة الفصحى بين العرب في القرن التاسع عشر. أما على صعيد المسرح فقد كان للمسيحيين دور متألق مع مارون عبود ومارون النقاش الذين ساهما في تأسيس الحركة المسرحية في مصر. وقد شارك المسيحيون في نقل مفاهيم والدولة الحديثة إلى العرب كمفاهيم الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص والحق بالتعليم وتحديث الدولة، وأكدوا اعتزازهم بانتمائهم القومي، وأسهم المسيحيون العرب في تأسيس الجمعيات، بدءاً من أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر،وقد لعب المسيحيين العرب أدوار مماثلة في الأدب والشعر العربيين والمسرح والصحافة، ليس فقط في العالم العربي، إذ إن أعدادًا كبيرة قد هاجرت نحو العالم الجديد وشهدت نيويورك ميلاد الرابطة القلمية.
كوّن المسيحيون في العصر الحديث الطبقة البرجوازية الأساسية في الشام ومصر مما جعل مساهمتهم في النهضة الاقتصادية ذات أثر كبير، على نحو ما كانوا أصحاب أثر كبير في النهضة الثقافية، وفي الثورة على الاستعمار بفكرهم ومؤلفاتهم وعملهم. وحتى اليوم ما يزال المسيحيون يلعبون دوراً حضارياً وثقافياً وعلمياً وقومياً ويشكلون النخبة في مجتمعاتهم.ويعتبر المسيحيون في الشرق الأوسط الأكثر تعلمًا ووضعهم الاقتصادي- الاجتماعي الأفضل مقارنة بباقي السكانوكذلك الامر في المهجر إذ وصل المسيحيون العرب إلى مناصب سياسية واقتصادية مهمة واستنادًا إلى كريسشان ساينس مونيتور يعتبر المسيحيون العرب في المهجر "أغنياء، متعلمون وذوي نفوذ".
صور لأعلام ومشاهير مسيحيين عرب، من مختلف المجالات.
برز المسيحيين في كافة المجالات، ففي السياسية هناك ميشال عفلق أحد مؤسسي حزب البعث وأنطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي وفارس الخوري الذي شغل منصب رئيس الوزراء في سوريا وإميل حبيبي، توفيق طوبي وعزمي بشارة امثال جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحنان عشراوي وبطرس غالي رئيس وزراء مصر وحفيده بطرس بطرس غالي الذي شغل منصب أمين عام الأمم المتحدة ومكرم عبيد. وشارل مالك الذي أشرف على وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بطلب من الأمم المتحدة. على صعيد الفن هناك عدد من المغنين المشهورين على مستوى الشرق الأوسط، والذين ينتمون إلى المسيحية امثال فيروز ووديع الصافي، وماجدة الرومي وجورج وسوف ونوال الزغبي واليسا ونجوى كرم وغيرهم، وعلى صعيد التمثيل هناك باسم ياخور وقصي خولي وغيرهم، والإخراج يوسف شاهين ونادين لبكي. ومن المفكرين إدوارد سعيد وروزماري سعيد زحلان وفي المجال العلمي هناك إلياس خوري الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء وبيتر مدور الحائز على جائزة نوبل في الطب من المورانة مايكل عطية عالم في الرياضيات والهندسة الرياضية وواضع عدة نظريات رياضية، شارل العشي مسؤول في وكالة الفضاء الأميركية ناسا وسالم حنا خميس الخبير الاقتصادي في هيئة الأمم المتحدة، جورج حاتم طبيب الملايين الذي ساند ماو تسي تونغ في ثورته الشيوعية، كما ويعتبر كل من مجدي يعقوب ومايكل دبغي رواد جراحة القلب في العالم. وعلى الصعيد الاقتصادي فيذكر أن أثري رجل في العالم هو الماروني المكسيكي اللبناني الأصل كارلوس سليم الحلو،وكارلوس غصن رئيس شركة نيسان ورينو ونيكولا حايك رئيس شركة سواتش، كما وتحتل اسرة أنسي ساويرس رأس قائمة أغنى أغنياء مصر، وذلك حسب التصنيف السنوى الذي تصدره مجلة فوربس. ويذكر انه وفق تقرير حكومي عام 2007 أن أكثر من 30% من الاقتصاد المصري يديره أقباط.
يدير المسيحيون في الشرق الأوسط عددًا من المدارس والجامعات ومراكز النشاط الاجتماعي والمستشفيات والمستوصفات وتتبع هذه المؤسسات لكافة الكنائس المسيحية وتعتبر أحيانًا كثيرة الخدمات التي تقدمها على أنها أفضل من المؤسسات الحكومية والخاصة، وكان لهذه المؤسسات دور هام في تحديث العالم العربي ونشر الثقافة والمعرفة
ولا يقتصر دور المسيحيين على الدول الإسلامية العربية بل يمتد إلى كافة الدول فمثلا في إيران وتركيا للمسيحيين دور في العمارة والموسيقى والتصوير والطباعة والسينما وغيرها من المجالات

الانتقادات

محاكمة جاليليو جاليلي، بريشة كرستيانو باتي.
نقش يبين عملية قتل سيمونينو الترينتي من قبل اليهود، تم اتهام اليهود أحيانًا بفرية الدم مما أجج أجواء معاداة السامية.
طوال تاريخ المسيحية، تعرضت المسيحية والكنيسة والمسيحيين أنفسهم إلى الإنتقادات. بعض الإنتقادات التي وجهت كانت للمعتقدات المسيحية، وتفسير تعاليم الكتاب المقدس. يسمى الرد الرسمي من المسيحيين لهذه الانتقادات باسم اللاهوت الدفاعي. بعض هذه الإنتقادات التي وجهت إلى الكتاب المقدس، كانت للأخلاق التي استنبطت من التفسيرات التوراتية والتي استخدمت تاريخيًا لتبرير مواقف وسلوكيات معينة وهي يعتبرها النقاد بوضوح أنها خاطئة. وقبل عام 2000 كان قد أعلن البابا يوحنا بولس الثاني سلسلة من الإعتذارات عن "الأخطاء" التي اقترفتها الكنيسة الكاثوليكية خلال تاريخها، وقد شملت الإعتذارات اليهود وجاليليو والمسلمين والنساء.
تتنوع الإنتقادات والمنتقدين فمثلًا، تواجه الكنيسة انتقادات من الحركات الأنثوية بخصوص عدة قضايا منها عدم منح المرأة سر الكهنوت والتي ترى فيها هذه الحركات تميز بحق المرأة،] والاجهاض وتحديد النسل الذي ترفضه الكنيسة. كذلك يتم توجيه انتقادات إلى الكنائس البروتستانتية الإنجيلية والمحافظة من قبل الحركات الأنثوية بسبب تشجيع الكنائس المحافظة على دور المرأة التقليدي، وهو ما تراه الحركات الأنثوية حط من قيمة المرأة. وتصل أحيانًا الإنتقادات إلى العقيدة والمفاهيم المسيحية كون الأنبياء من الذكور، وكون قصص الكتاب المقدس تركز على الرجل وهو ما تراه هذه الحركات ساهم في بناء المجتمع الأبوي.
كذلك تنتقد الحركات المطالبة لحقوق المثليين موقف المسيحية من المثلية الجنسية وتعتبره تحيز ضدها. وترى ان المسيحية كان لها دور في معاداة المثليين جنسيًا إذ أن المجتمعات الغربية كانت متسامحة مع المثليين قبل انتشار واعتماد المسيحية كديانة رسمية وتجريمها للمثلية الجنسية فيما بعد.
حصار أنطاكية خلال الحملة الصليبية الأولى، تعتبر الحملات الصليبية أبرز الأمثلة على العنف المسيحي.
ومن القضايا التي تثير الانتقادات هي قضية العبيد فبعض المؤرخين يلقون اللوم على الكنيسة لأنها لم تفعل ما يكفي لتحرير الهنود الحمر، والبعض الآخر يشير إلى الكنيسة كانت الصوت الوحيد المدافع عن حقوق الشعوب الأصلية. وعلاقة المسيحية والإستعمار إذ حسب النقاد فانها ترتبط ارتباطًا وثيقًا كون الكاثوليكية والبروتستانتية كانت الأديان الرسمية للقوى الاستعمارية الأوروبية، وعملت في العديد من الأحيان "كذراع ديني" لتلك القوىوكذلك فقد تم أحيانًا استخدام التعاليم الدينية لتبرير أعمال المستعمرين. ومن الانتقادات التي توجه حديثًا إلى المسيحية خاصًة الكنيسة الكاثوليكية هي ارتباطها ودعمها للأنظمة الديكتاتورية والشمولية في أميركا الجنوبية (في الأرجنتين وتشيلي ونيكاراجوا) وفي كل من إيطاليا واسبانيا والبرتغال والنمسا وكرواتيا في الولايات المتحدة أطلق بعض اليساريين والليبراليين مصطلح الفاشية المسيحية لوصف وانتقاد نفوذ اليمين المسيحي إذ يراه البعض أيدولوجية اليمين المسيحي أقرب بالفاشية والثيقراطية.
تواجه المسيحية انتقادات من قبل بعض المؤرخين لدورها في اذكاء مشاعر معاداة السامية بسبب اتهام اليهود بصلب يسوع واضطهاد تلاميذه في القرون المسيحية الأولى مستندين بذلك على قول اليهود أثناء محاكمة يسوع: "دمه علينا وعلى أولادنا". كما تم أتهام اليهود بعدة تهم ومنها تسميم آبار المسيحيين والتضحية بالأطفال كقرابين بشرية وسرقة خبز القربان وتدنيسه وبسبب هذه التهم تم طرد معظم اليهود من دول أوروبا الغربية إلى شرق ووسط أوروبا والمغرب العربي.
كذلك يتطرق النقاد إلى علاقة المسيحية والعنف، إذ بالرغم من أن تعاليم يسوع دعت إلى السلام والمحبة والرحمة، فقد استخدمت أحيانًا هذه التعاليم لتبرير استخدام العنف. يحدد كل من هيتمان وهاجان كل من محاكم التفتيش، الحروب الصليبية، والحروب الدينية ومعاداة السامية بأنها "من بين الأمثلة الأكثر شهرة للعنف المسيحي".
ومن المواضيع الشائكة هي علاقة المسيحية والعلم، وغالبًا ما يتم توجيه الانتقادات في هذا الخصوص إلى الكنيسة الكاثوليكية، إذ يرى عدد من المؤرخين والفلاسفة أنّ الكنيسة الكاثوليكية دخلت في صراع مع العلم، وأنها ضيقت على العلماء والبحوث العلمية، ولعل أبرز قضية في صراع الكنيسة والعلم هي قضية محاكمة جاليليو جاليلي ونظرية التطور، ويرى عدد من العلماء أمثال جيري كوين، أن الإعتقاد والإيمان كان عائق لتطوير العلوم،كما واستنادًا إلى نيل تايسون فإن العلماء المتدينين أمثال اسحق نيوتن، كان بإمكانهم تحقيق انجازات أكثر في تطوير العلم لو لم يقبل أحيانًا الأجوبة الدينية لحل أسئلة المسائل العلمية. وهناك عدد من المؤرخين من يفند أنّ علاقة الكنيسة الكاثوليكية بالعلم علاقة صراع وأنها ضد العلم، فاستنادًا إلى وتوماس أي وودز، كانت علاقة الكنيسة الكاثوليكية بالعلم إيجابية وشجعت على العلوم.
«هناك اعتراف متزايد بين مؤرخي العلم أن العلاقة بين الدين والعلم كان أكثر ايجابية مما يُعتقد في بعض الأحيان. على الرغم من الصورة الشعبية للجدل العلمي - الديني يستمر في تجسيد عداء مفترض من المسيحية إلى النظريات العلمية الجديدة، فقد أظهرت الدراسات أن المسيحية احتضنت هذه النظريات في كثير من الأحيان، وشجعت البحوث والمساعي العلمية، وقد تعايشا من دون أي توتر أو محاولات المواءمة. وإذ كانت محاكمة غاليليو وجون سكوبس أول ما يتبادر إلى الذهن كامثلة عن هذا الصراع، فذلك الشاذ وليس القاعدة.- غاري فرنجن، "العلم والدين"[»
 

فترة العصور الوسطى

قاد إعلان المسيحية كديانة رسمية في الإمبراطورية الرومانية إلى التوسع في توفير الخدمات والرعاية الاجتماعية. بعد مجمع نيقية في عام 325 تم بناء في كل مدينة مستشفى قرب الكاتدرائية. ومن أوائل المستشفيات التي اقيمت كانت من قبل الطبيب القديس سامبسون في القسطنطينية، وباسيل أسقف قيصرية في تركيا المعاصرة. وقد بنى باسيل مدينة دعيت "بباسيلاس"، وهي مدينة شملت مساكن للأطباء والممرضين ومبان منفصلة لفئات مختلفة من المرضى وكان هناك قسم منفصل لمرضى الجذام بعض المستشفيات حوت على مكتبات وبرامج تدريب، وجمع الأطباء دراستهم الطبية والدوائية في مخطوطات حفظت في مكتباتها. وبالتالي ظهرت الرعاية الطبية للمرضى في معنى ما نعتبره اليوم المستشفى، وكان يقودها الكنيسة الأرثوذكسية والإختراعات والإبتكارات البيزنطية وأعمال الرحمة المسيحية.
أقامت الكنيسة الكاثوليكية أيضًا عدد من المشتشفيات التي أوت المرضى، بعضها كانت قرب أماكن الحج. خلال الحروب الصليبية ظهرت فرق عسكرية كانت اشبه بكهيئة خيرية هدفها رعاية الحجاج المسيحيين.، وبنت عدد من المستشفيات ومن هذه الفرق فرسان القديس يوحنا وفرسان الهيكل. كما وأقامت فرق الفرسان عدد من المضافات قرب الأماكن المقدسة المسيحية في فلسطين وفي جميع أرجاء أوروبا لرعاية وإستقبال الحجاج، وكانت هذه المضافات النواة الأولى للفنادق.
أيقونة زجاجية في كنيسة يوحنا المعمدان الأنجليكانية في آشفيلد، أستراليا. مفهوم الراعي الصالح رمز لمساعدة الآخر والتضحية.

الثورة الصناعية حتى اليوم

رسم لمستشفى تابع للكنيسة، للكنيسة تاريخ طويل في رعاية المرضى.
جلبت الثورة الصناعية العديد من المشاكل الاجتماعية كما كانت ظروف العمل والمعيشة المتردية للعمال موضوع مقلق بالنسبة للكنيسة. وقد نشر البابا ليون الثالث عشر في عام 1891 منشور، وحدد فيه التعاليم الكاثوليكية في السياق الاجتماعي، ودعا فيه إلى تحسين ظروف العمال حقهم في تشكيل نقابات عمالية.
في 15 مايو 1931، اصدر البابا بيوس الحادي عشر، مرسوم دعي «في العام الأربعين» (باللاتينية: Quadragesimo Anno) وانتقد فيه الطمع الرأسمالي في النظام المالي العالمي بالإضافة فقد ركز على الآثار الأخلاقية للنظام الاجتماعي والاقتصادي. ودعا إلى إعادة بناء نظام اجتماعي قائم على مبدأ التضامن والتبعية.
أعاد البابا بيوس الثاني عشر ذكر أهمية هذه التعاليم، وطالب بتطبيقها، ليس فقط للعمال وأصحاب رؤوس الأموال، ولكن أيضًا لمهن أخرى مثل السياسيين والمربين وربات البيوت، كاتبو الحسابات المزارعين، والمنظمات الدولية، وجميع جوانب الحياة بما في ذلك الجيش. وطالب ان تطبق التعاليم الاجتماعية في كافات المجالات من الطب وعلم النفس والرياضة، والتلفزيون، والعلم والقانون والتعليم. ودعي البابا بيوس الثاني عشر بابا التكنولوجيا، لاستعداده وقدرته على دراسة الآثار الاجتماعية المترتبة بسبب التقدم التكنولوجي، وكان شغله الشاغل الدفاع عن حقوق وكرامة الفرد
الأم تريزا الحائزة على جائزة نوبل للسلام وأيقونة العمل الخيري في العصر الحديث.
خلال الثورة الصناعية ظهرت عدد من العديد من المشاكل الإجتماعية، أدى ذلك إلى ظهور حركات دينية في الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية، والتي حاولت ايجاد حلول لهذه المشاكل.
في عام 1859 انشأ دون بوسكو الرهبانية الساليزية، وهدفها خدمة الشبيبة المحرومة، وقد قام دون بوسكو ببناء العديد ببناء من المعاهد التي تقوم علي لم شمل الشباب وتعليمهم حرفه أو مهنه. وظهرت داخل الكنيسة الكاثوليكية في اميركا اللاتينية حركة إصلاح دعيت بلاهوت التحرير، والتي ناضلت من أجل العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر والديكتاتورية والدفاع عن المظلومين.
المركز الرئيسي لجمعية الشبان المسيحيين وهي مؤسسة تقدم خدمات شتى.
مستشفى لوما ليندا لطائفة السبتيين.
ظهرت داخل الكنائس البروتستانتية منظمات خيرية مثل «جيش الخلاص» و«جمعية الشبان المسيحيين» والتي تدير مؤسسات متعددة تشمل مستشفيات ومراكز تأهيل لمدمني الكحول والمخدرات، ومعسكرات وأندية للصبية والفتيات، وأماكن إقامة للمسنين وأندية ومراكز للعناية اليومية، كما تقدم برامج تعليمية للأمهات غير المتزوجات، ودعمًا للمسجونين وعائلاتهم.
بعد ان كانت المؤسسات الاجتماعية في الدول الغربية محتكرة بيد الكنائس، فقد اختلف الوضع اليوم إذ تمول وتنظم الحكومات الغربية المؤسسات الإجتماعية، وغالبية مؤسسات الخدمة الإجتماعية اليوم هي بيد الحكومة، بالرغم من ذلك لا تزال الكنيسة تحتفظ بشبكة واسعة من مؤسسات الرعاية الصحية والإجتماعية في جميع أنحاء العالم. في الولايات المتحدة، واحد تقريبًا من كل ستة مرضى، يعالج في مستشفى كاثوليكي.وتعتبر مؤسسة الصحة الكاثوليكية أكبر مؤسسة اجتماعية غير حكومية في أستراليا، اذا تمثل حوالي 10% من القطاع الصحي. وتمتلك الكنيسة الكاثوليكية اليوم حوالي 5,853 مستشفى و8,695 من ملاجئ ايتام و13,933 من بيوت مسنين ومعاقين و74,936 من مستوصفات ومختبرات ودور حضانة. أمّا في ماكاو وسنغافورة وهونغ كونغ تدير الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية عدد من المستشفيات التي تشكل أكثر من 90% من المستشفيات الخاصة. في الصين كانت للإرساليات البروتستانتية الأثر الأكبر في ادخال الطب الحديث للصين خاصًة من خلال المبشرين أمثال الجراح روبرت موريسون والقس جون ليفينغستون.
كما هو الحال مع التعليم، فقد لعبت المرأة دورًا حيويًا في إدارة مؤسسات الرعاية الكاثوليكية من خلال رهبانيات كراهبات الرحمة، وراهبات الفقير الصغير وراهبات القديسة مريم وجمعية اخوة المحبة التي اسستها الأم تريزا اللواتي بنين المستشفيات ودور الايتام والمسنين والمشردين ودرّسوا التمريض. وبسبب الدور المؤثر للراهبات على هذه المهن فقد نظر اليها في الغرب على انها مهن نسائية.
«على الرغم من أنه غالبا ما يوصف نفوذهم بانه غير ملموس في الكنيسة، الا أنّ الراهبات بتركزهن في مستشفياتهن على خدمة المحتاجين وجلب الطمأنينة الروحية، ثورة في رفع القيم الطبية.»

دور الرجال الدين والعلماء المسيحيون

عدد كبير من الكهنة برزوا كعلماء، وكثير منهم كانوا من الرهبانية اليسوعية، كان منهم رواد في علم الفلك، علم الوراثة، علم المغناطيسية الأرضية وعلم الطقس والزلازل، والفيزياء الشمسية، والطب وأصبح بعض منهم "الآباء" لهذه العلوم. ومن أهم الأمثلة على رجال دين مسيحيين ممن كانت لهم مساهمات بارزة في تاريخ العلوم جريجور ميندل  من أهم علماء الجينات والوراثة، نيكولاس ستينو أب علم وصف طبقات الأرض وله اسهامات في علم التشريح، رينه جوت هواي مؤسس علم البلورات، وجان-بابتيست كاروني مؤسس علم الأحياء الخلوي، وروجر باكون الراهب الفرنسيسكاني الذي كان واحدًا من أوائل دعاة المنهج العلمي، مارين ميرسين أبو علم الصوت والبلجيكي جورج لومتر أول من اقترح نظرية الإنفجار العظيم. أمثلة أخرى لرجال دين مسيحيين ممن لهم ساهموا في تطوير العلوم جون فيلوبونوس، ليو الرياضياتي، وليام الأوكامي، البابا سلفستر الثاني الذي أدخل إلى أوروبا الأباكوس، فرانشيسكو ماريا جريمالدي العالم الفيزيائي، أثانيسيوس كيرتشر مخترع المكبر، ألبيرتوس ماغنوس مكتشف عنصر الزرنيخ، نيكولاس كوبرنيكوس ويُعتبر أول من صاغ نظرية مركزية الشمس وكون الأرض جرماً يدور في فلكها، جيوفاني باتيستا زوبي وكان أول من اكتشف بأن عطارد له طور كوكبي مثل القمر والزهرة، ثيودوريك بورجنوني له إسهامات هامة في طب الجراحة والمطهرات ومواد التخدير، جيوفاني جيرولامو ساتشيري وضع نظريات أساس الهندسة الزائدية، البابا غريغوريوس الثالث عشر معروف في إصلاح واصدار التقويم الغريغوري والمطران لوقا فوينو-ياسينتيسكي مطران الكنيسة الروسية الأرثوذكسية وكان أول جرّاح في العالم يمارس عملية الزرع.
تمثال بليز باسكال في متحف اللوفر. لم يكن باسكال فقط عالم بل كان أيضًا مفكر في الديانة المسيحية.
جورج لومتر، راهب يسوعي، كان أول من إقترح نظرية الانفجار العظيم لنشأة الكون.
هناك أيضًا عدد من المسيحيين الذين ليسوا برجال دين، ممن برزوا وعملوا في العلوم خاصًة في حقول الطب والفيزياء والكيمياء والإختراعات ولهم مساهمات أيضًا في الفكر واللاهوت المسيحي، ويعتبر أيضًا عدد من العلماء المسيحيين آباء لحقول علمية عديدة، بما في ذلك، ولكن ليس على سبيل الحصر، الفيزياء الحديثة، والصوتيات، وعلم المعادن، والكيمياء الحديثة، وعلم التشريح الحديث، الطبقات، علم الجراثيم، وعلم الوراثة والهندسة التحليلية، وعلم الكون الفيزيائي.اختراعات العلماء المسيحيين تشمل البطارية، سماعة الطبيب، والآلة الحاسبة الميكانيكية، والبيديه، وطريقة بريل، والميكانيكية طباعة الحروف المتحركة، وبندول فوكو. تمت تسمية ثلاث وحدات كهربائية مثلًا على اسم عدد من العلماء الكاثوليك مثل وحدة أمبير، فولت، وكولوم. من الأسماء اللامعة على سبيل المثال لا الحصر في مجال الإختراعات هنري فورد مؤسس شركة فورد للسيّارات والفرد نوبل، مخترع الديناميت وألكسندر غراهام بيل  مخترع الهاتف، جولييلمو ماركوني مخترع المذياع، أنتوني فان لافينهوك توماس أديسون  ويوهان غوتنبرغ  موجد المطبعة وويلبور رايت  مخترعا الطائرة. في مجال الرياضيات هناك فرانسيس بيكون أبو المنهج العلمي الحديث وليونهارد أويلر  والد الرياضيات الحديثة ووالد القنبلة النوويّة وبليز باسكال رياضياتي المعروف في الاحتمالات في الرياضيات هو من اخترع الآلة الحاسبة ورينيه ديكارت  الذي اخترع نظامًا رياضيًا سمي باسمه وهو نظام الإحداثيات الديكارتية، الذي شكل النواة الأولى لـالهندسة التحليلية. وفي مجال علم الفلك يوهانس كبلر [فلكي ألماني  والعالِم الفلكي جاليليو جاليلي.. وفي الكيمياء ظهر أنطوان لافوازييه  والد الكيمياء الحديثة، ديميتري مندلييف وهو حفيد كاهن أرثوذكسي وواضع الجدول الدوري للعناصر الكيميائية[وغيرهم. في الفيزياء برز ماكس بلانك والد "النظرية الكمّيّة" في الفيزياء وإيرنست راذرفورد  رائد في مجال الفيزياء دون الذرية جون دالتون  عالم في الفيزياء والكيمياء، والنظريّة الذرية؛ له قانون الضغوط الجزئية، مايكل فاراداي وضع "قانون فاراداي" وإسحاق نيوتن  مكتشف الجاذبية، وقوانين الحركة، والمهندس الميكانيكي والكهربائي نيكولا تسلا وهو ابن وحفيد كاهن أرثوذكسي وأندري ماري أمبير موجد وحدة الأمبير. أما في مجال الطب هناك فيلهيلم كونراد رونتجن  مكتشف الأشعّة السينية، وووليم هارفي مكتشف الدورة الدموية، إدوارد جينر [مكتشف لقاح الجدري ونيكولاس أوغست أوتو والجرّاح جوزف ليستر موجد التعقيمولويس باستور الذي عرف بتجاربة التي اثبتت أن الكائنات الدقيقة هي المسؤلة عن الأمراض وعن اللقاحات ] وألكسندر فلمنج  مكتشف البنسلين وغيرهم.

البروتستانتية والثورة العلمية

يرى عدد من المؤرخين وعلماء الإجتماع أن ظهور البروتستانتية كان لها أثر كبير في نشوء الثورة العلمية، فقد وجدوا علاقة ايجابية بين ظهور حركة التقوى البروتستانتية والعلم التجريبي.[
واستنادًا إلى روبرت ميرتون فأن العلاقة بين الإنتماء الديني والإهتمام بالعلم هو نتيجة لتضافر كبير بين القيم البروتستانتية وتلك في العلوم الحديثة. وفقًا لأطروحة ميرتون شجعت القيم البروتستانتية على البحث العلمي من خلال السماح بالعلم لتحديد تأثير الله على العالم، وبالتالي يتم تقديم مبررات دينية لأغراض البحث العلمي.وتاريخيًا فالبروتستانتية لم تدخل في صراع مع العلمكون البروتستانتية تركز على الإجتهاد وتعطي مكانة مميزة للدراسة والمعرفة والعقل.
كما وجد الخبير الاقتصادي جون هوللي الذي عمل مع البنك الدولي في كتابه مذنب، يهود ومسيحيون أن 86% من جوائز نوبل بين الأعوام 1901 و1990 كانت من نصيب البروتستانت واليهود، حصل البروتستانت على 64% من جوائز نوبل مقارنة مع 22% من اليهود، على الرغم من أن نسبة البروتستانت في العالم هي 7.0%.
ومن الطوائف البروتستانتية التي عرفت بكثرة حضور العلماء، جمعية الأصدقاء الدينية أو الكويكرز، حيث حضور العلماء هو أعلى لديهم مقارنة مع طوائف وديانات أخرى كما وقد برز عدد كبير منهم في الجمعية الملكية البريطانية وجوائز نوبل وبنسبة تفوق نسبتهم السكانية كما أظهرت عدد من الدراسات علاقة إيجابية بين الكويكرز وإرتفاع معدل الذكاء.
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق